فصل: فصل: فيما لو كانت جناية المدبر موجبة للمال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب التدبير

ومعنى التدبير‏:‏ تعليق عتق عبده بموته والوفاة دبر الحياة‏,‏ يقال‏:‏ دابر الرجل يدابر مدابرة إذا مات فسمى العتق بعد الموت تدبيرا لأنه إعتاق في دبر الحياة والأصل فيه السنة والإجماع أما السنة‏,‏ فما روى جابر ‏(‏أن رجلا أعتق مملوكا له عن دبر منه فاحتاج فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يشتريه مني‏؟‏ فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه وقال أنت أحوج منه‏)‏ متفق عليه وأما الإجماع فقال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم‏,‏ على أن من دبر عبده أو أمته ولم يرجع عن ذلك حتى مات والمدبر يخرج من ثلث ماله‏,‏ بعد قضاء دين إن كان عليه وإنفاذ وصاياه إن كان وصى وكان السيد بالغا جائز الأمر‏,‏ أن الحرية تجب له أو لها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا قال لعبده أو أمته‏:‏ أنت مدبر أو قد دبرتك أو أنت حر بعد موتي فقد صار مدبرا ‏]‏

وجملة ذلك أنه إذا علق صريح العتق بالموت‏,‏ فقال أنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق‏,‏ بعد موتي صار مدبرا بلا خلاف نعلمه فأما إن قال‏:‏ أنت مدبر أو قد دبرتك فإنه يصير مدبرا بنفس اللفظ من غير افتقار إلى نية وهذا منصوص الشافعي وقال بعض أصحابه‏:‏ فيه قول آخر أنه ليس بصريح في التدبير‏,‏ ويفتقر إلى النية لأنهما لفظان لم يكثر استعمالهما فافتقرا إلى النية كالكنايات ولنا أنهما لفظان وضعا لهذا العقد‏,‏ فلم يفتقر إلى النية كالبيع ويفارق الكنايات فإنها غير موضوعة له‏,‏ ويشاركها فيه غيرها فافتقرت إلى النية للتعيين ويرجح أحد المحتملين‏,‏ بخلاف الموضوع‏.‏

فصل‏:‏

ويعتق المدبر بعد الموت من ثلث المال في قول أكثر أهل العلم يروى ذلك عن علي وابن عمر وبه قال شريح‏,‏ وابن سيرين والحسن وسعيد بن المسيب‏,‏ وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري‏,‏ وقتادة وحماد ومالك‏,‏ وأهل المدينة والثوري وأهل العراق والشافعي‏,‏ وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وروي عن ابن مسعود‏,‏ ومسروق ومجاهد والنخعي‏,‏ وسعيد بن جبير أنه يعتق من رأس المال لأنه عتق فينفذ من رأس المال كالعتق في الصحة‏,‏ وعتق أم الولد ولنا أنه تبرع بعد الموت فكان من الثلث كالوصية‏,‏ ويفارق العتق في الصحة فإنه لم يتعلق به حق غير المعتق فينفذ في الجميع كالهبة المنجزة وقد نقل حنبل عن أحمد‏,‏ أنه يعتق من رأس المال وليس عليها عمل قال أبو بكر‏:‏ هذا قول قديم رجع عنه أحمد إلى ما نقله الجماعة‏.‏

فصل‏:‏

وإن اجتمع العتق في المرض والتدبير قدم العتق لأنه أسبق وإن اجتمع التدبير والوصية بالعتق‏,‏ تساويا لأنهما جميعا عتق بعد الموت ويحتمل أن يقدم التدبير لأن الحرية تقع فيه عند الموت والوصية تقف على الإعتاق بعده‏.‏

فصل‏:‏

ويجوز التدبير مطلقا ومقيدا فالمطلق تعليق العتق بالموت من غير شرط آخر كقوله‏:‏ أنت حر بعد موتي والمقيد ضربان أحدهما‏,‏ خاص نحو أن يقول‏:‏ إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا‏,‏ أو في بلدي هذا أو عامي هذا فأنت حر‏,‏ فهذا جائز على ما قال إن مات على الصفة التي شرطها عتق العبد وإلا لم يعتق وقال مهنا‏:‏ سألت أحمد عن من قال لعبده‏:‏ أنت حر مدبر اليوم‏؟‏ قال‏:‏ يكون مدبرا ذلك اليوم‏,‏ فإن مات ذلك اليوم صار حرا يعني إذا مات المولى الضرب الثاني أن يعلق التدبير على صفة مثل أن يقول إن دخلت الدار‏,‏ أو إن قدم زيد أو إن شفى الله مريضي فأنت حر مدبر أو فأنت حر بعد موتي فهذا لا يصير مدبرا في الحال لأنه علق التدبير على شرط‏,‏ فإذا وجد صار مدبرا وعتق بموت سيده‏,‏ وإن لم يوجد الشرط في حياة السيد ووجد بعد موته لم يعتق لأن إطلاق الشرط في حياة السيد يقتضي وجوده في الحياة‏,‏ بدليل ما لو علق عليه عتقا منجزا فقال إذا دخلت الدار فأنت حر فدخلها بعد موته‏,‏ لم يعتق وكما لو قال لوكيله‏:‏ بع عبدي فمات الموكل قبل بيعه بطلت وكالته ولأن المدبر من علق عتقه بالموت‏,‏ وهذا قبل الموت لم يكن مدبرا وبعد الموت لا يمكن حدوث التدبير وإن قال‏:‏ إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر فذكر أبو الخطاب فيها روايتين إحداهما‏,‏ لا يعتق وهو قياس المنصوص عنه في قوله‏:‏ أنت حر بعد موتي بيوم أو شهر فإنه قال‏:‏ لا يعتق لأنه علق العتق بصفة توجد في ملك غيره فلم يعتق‏,‏ كما لو قال‏:‏ إن دخلت الدار بعد بيعي إياك فأنت حر ولأنه إعتاق له بعد قرار ملك غيره عليه فلم يعتق كالمنجز والثانية‏,‏ يعتق وهو الذي ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه صرح بذلك فحمل عليه كما لو وصى بإعتاقه وكما لو وصى ببيع سلعة ويتصدق بثمنها‏,‏ ويفارق التصرف بعد البيع فإن الله تعالى جعل للإنسان التصرف بعد موته في ثلثه بخلاف ما بعد البيع والأول أصح -إن شاء الله تعالى- ويفارق الوصية بالعتق وبيع السلعة لأن الملك لا يستقر للورثة فيه‏,‏ ولا يملكون التصرف فيه بخلاف مسألتنا وقولهم‏:‏ حصل له التصرف في ثلثه قلنا‏:‏ إنما يتصرف فيه تصرفا يثبت عقيب موته ويمنع انتقاله إلى الوارث‏,‏ وإن ثبت للوارث فهو ثبوت غير مستقر وقد قيل‏:‏ يكون مراعى‏,‏ فإذا قبل الموصى له تبينا أن الملك كان له من حين الموت وإن لم يقبل تبينا أنه كان للوارث فعلى قولنا‏:‏ لا يعتق بالدخول بعد الموت للوارث التصرف فيه كيف شاء‏,‏ ومن صحح هذا الشرط احتمل أن يمنع الوارث من التصرف في رقبته لأنه يستحق العتق فأشبه الموصى بعتقه واحتمل أن لا يمنعه لأنه علق عتقه على صفة غير الموت‏,‏ فلم يمنع من التصرف فيه كما لو قال لعبده‏:‏ إن دخلت الدار فأنت حر فأما كسبه قبل عتقه‏,‏ فهو للوارث لأن الملك فيه مستقر قبل وجود الشرط كما لو كان الوارث هو الذي علق عتقه‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ أنت حر بعد موتي بشهر أو قال‏:‏ بيوم فقال أحمد في رواية مهنا‏:‏ لا يعتق‏,‏ ولا تصح هذه الصفة وقال أيضا‏:‏ سألت أحمد عن رجل قال لعبده‏:‏ أنت حر بعد موتي بشهر بألف درهم فقال‏:‏ هذا كله لا يكون شيئا بعد موته وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى فيها رواية أخرى‏,‏ أنه يعتق إذا وجدت الصفتان الموت ومضي المدة المذكورة وبهذا قال الثوري وأبو يوسف وإسحاق ووجه الروايتين ما تقدم وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا يعتق حتى يعتقه الوارث وعلى قول من قال‏:‏ يعتق يكون قبل الموت ملكا للوارث‏,‏ وكسبه له كأم الولد والمدبر في حياة السيد وإن كان أمة فولدت قبل وجود الصفة‏,‏ فولدها يتبعها في التدبير ويعتق بوجود الصفة كما تعتق هي‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال لعبده‏:‏ إذا قرأت القرآن‏,‏ فأنت حر بعد موتي فقرأ القرآن جميعه صار مدبرا وإن قرأ بعضه‏,‏ لم يصر مدبرا وإن قال إذا قرأت قرآنا فأنت حر بعد موتي فقرأ بعض القرآن صار مدبرا لأنه في الأولى عرفه بالألف واللام المقتضية للاستغراق‏,‏ فعاد إلى جميعه وها هنا نكره فاقتضى بعضه فإن قيل‏:‏ فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا‏}‏ ولم يرد جميعه قلنا قضية اللفظ تتناول جميعه لأن الألف واللام للاستغراق‏,‏ وإنما حمل على بعضه بدليل فلا يحمل على البعض في غير ذلك الموضع بغير دليل ولأن قرينة الحال تقتضى قراءة جميعه لأن الظاهر أنه أراد ترغيبه في قراءة القرآن‏,‏ بتعليق الحرية به ومجازاته على قراءته بالحرية والظاهر أنه لا يجازى بهذا الأمر الكثير‏,‏ ولا يرغب به إلا فيما يشق أما قراءته آية أو آيتين فلا‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال لعبده‏:‏ إن شئت‏,‏ فأنت حر بعد موتي أو إذا شئت أو متى شئت أو أي وقت شئت‏,‏ فأنت حر بعد موتي فهو تدبير بصفة فمتى شاء في حياة سيده صار مدبرا‏,‏ يعتق بموت سيده كما لو قال‏:‏ إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياته وإن مات السيد قبل مشيئته‏,‏ بطلت الصفة كما لو مات في المسألة الأخرى قبل دخول الدار وإن قال‏:‏ متى شئت بعد موتي فأنت حر‏,‏ أو أي وقت شئت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق للعتق على صفة بعد الموت وقد ذكرنا أنه لا يصح‏,‏ وأن قول القاضي صحته فعلى قوله يكون ذلك على التراخي‏,‏ فمتى شاء بعد موت سيده عتق وما كان له من كسب قبل مشيئته‏,‏ فهو لورثة سيده لأنه عبد قبل ذلك بخلاف الموصى به فإن في كسبه قبل القبول وجهين‏:‏ أحدهما أنه يكون للموصى له لأننا تبينا أنه ملكه من حين الموت‏,‏ وها هنا لا يثبت الملك قبل المشيئة وجها واحدا لأنه عتق معلق على شرط فلا يثبت العتق قبل الشرط وجها واحدا وذكر القاضي في قوله‏:‏ إذا شئت‏,‏ أو إن شئت فأنت حر بعد موتي أنه على الفور‏,‏ فإن شاء في المجلس صار مدبرا وإن تراخت المشيئة عن المجلس بطلت‏,‏ ولم يصر مدبرا بالمشيئة بعده بناء على قوله‏:‏ اختاري نفسك فإن الاختيار يقف على المجلس وهذا في معناه وإن قال‏:‏ إن شئت بعد موتي‏,‏ أو إذا شئت بعد موتي فأنت حر كان على الفور أيضا فمتى شاء عقيب موت سيده‏,‏ أو في المجلس صار حرا وإن تراخت مشيئته عن المجلس‏,‏ لم تثبت فيه حرية وقد ذكر في الطلاق أنه إذا قال‏:‏ أنت طالق إن شئت‏,‏ وشاء أبوك فشاءا معا وقع الطلاق سواء شاءا على الفور أو التراخي أو شاء أحدهما على الفور‏,‏ والآخر على التراخي وهذا مثله فيخرج في كل مسألة مثل ما ذكر في الأخرى‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال لعبده‏:‏ إذا مت‏,‏ فأنت حر أو لا أو قال‏:‏ فأنت حر أو لست بحر لم يصر مدبرا لأنه استفهام‏,‏ ولم يقطع بالعتق فأشبه ما لو قال لزوجته‏:‏ أنت طالق أو لا وقد ذكرنا ذلك في الطلاق‏.‏

فصل‏:‏

وإذا دبر أحد الشريكين نصيبه‏,‏ لم يسر التدبير إلى نصيب شريكه موسرا كان أو معسرا وذكر أبو الخطاب وجها أنه يسري تدبيره إذا كان موسرا‏,‏ ويقوم عليه نصيب شريكه وهو قول أبي حنيفة لأنه استحق العتق بموت سيده فسرى ذلك فيه كالاستيلاد وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا‏,‏ أنه تعليق للعتق بصفة فلم يسر كتعليقه بدخول الدار ويفارق الاستيلاد فإنه آكد‏,‏ ولهذا يعتق من جميع المال ولو قتلت سيدها لم يبطل حكم استيلادها ولا يجوز بيعها‏,‏ والمدبر بخلاف ذلك فعلى هذا إن مات المدبر عتق نصيبه إن خرج من الثلث وهل يسري إلى نصيب شريكه‏,‏ إن كان موسرا‏؟‏ فيه روايتان ذكرهما الخرقي في غير هذا الموضع وإن أعتق الشريك نصيبه قبل موت المدبر وهو موسر‏,‏ عتق وسرى إلى نصيب المدبر وذكر القاضي وأبو الخطاب‏,‏ فيها وجهين وللشافعي فيها قولان أحدهما كقولنا والثاني لا يسري عتقه‏,‏ وهو قول أبي حنيفة لأن المدبر قد استحق الولاء على العبد بموته فلم يكن للآخر إبطاله ولنا قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏من أعتق شركا له في عبد‏,‏ فكان له ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطى شركاؤه حصصهم‏,‏ وإلا فقد عتق منه ما عتق‏)‏ ولأنه إذا سرى إلى إبطال الملك الذي هو آكد من الولاء فالولاء أولى‏,‏ وما ذكروه لا أصل له ويبطل بما إذا علق عتق نصيبه بصفة‏.‏

فصل‏:‏

وإن دبر كل واحد منهما نصيبه فمات أحدهما‏,‏ عتق نصيبه وبقي نصيب الآخر على التدبير إن لم يف ثلثه بقيمة حصة شريكه‏,‏ وإن كان يفي به فهل يسري العتق إليه على روايتين وإن قال كل واحد منهما‏:‏ إذا متنا فأنت حر فقال أبو بكر‏:‏ قال أحمد‏:‏ إذا مات أحدهما‏,‏ فنصيبه حر وظاهر هذا أن أحمد جعل هذا اللفظ تدبيرا من كل واحد منهما لنصيبه ومعناه إذا مات كل واحد منا فنصيبه حر فإنه قابل الجملة بالجملة‏,‏ فيصرف إلى مقابلة البعض كقوله‏:‏ ركب الناس دوابهم ولبسوا ثيابهم‏,‏ وأخذوا رماحهم يريد لبس كل إنسان ثوبه وركب دابته وأخذ رمحه وكذلك إن قال‏:‏ أعتقوا عبيدهم كان معناه أعتق كل واحد عبده وقال القاضي‏:‏ هذا تعليق للحرية بموتهما جميعا‏,‏ وإنما قال أحمد‏:‏ يعتق نصيبه بناء على أن وجود بعض الصفة يقوم مقام جميعها ولا يصح هذا لأنه لو كانت هذه العلة لعتق العبد كله لوجود بعض صفة كل واحد منهما‏,‏ ولأننا قد أبطلنا هذا القول بما ذكرنا من قبل ومقتضى قول القاضي أن لا يعتق شيء منه قبل موتهما جميعا وإن قال كل واحد منهما‏:‏ أردت أن العبد حر بعد آخرنا موتا انبنى هذا على تعليق الحرية على صفة توجد بعد الموت وقد ذكرنا الخلاف في ذلك فإن قلنا بجواز ذلك‏,‏ عتق بعد موت الآخر منهما عليهما جميعا وإن قلنا‏:‏ لا يصح ذلك‏,‏ عتق نصيب الآخر منهما بالتدبير وفي سرايته إلى باقيه إن كان ثلثه يحتمل ذلك روايتان وإن قال كل واحد منهما‏:‏ إذا مت قبل شريكي‏,‏ فنصيبي له فإذا مات فهو حر وإن مت بعده‏,‏ فنصيبي حر فقد وصى كل واحد منهما للآخر فإذا مات أحدهما صار العبد كله للآخر‏,‏ فإذا مات عتق كله عليه وصار ولاؤه كله له إن قلنا‏:‏ لا يصح تعليق العتق على صفة بعد الموت وإن قلنا‏:‏ يصح عتق عليهما‏,‏ وولاؤه بينهما‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وله بيعه في الدين ‏]‏

ظاهر كلام الخرقي أنه لا يباع في الدين وقد أومأ إليه أحمد وقال مالك‏:‏ لا يباع إلا في دين يغلب رقبة العبد فإذا كان العبد يساوي ألفا‏,‏ فكان عليه خمسمائة لم يبع العبد وروي عن أحمد أنه قال‏:‏ أنا أرى بيع المدبر في الدين‏,‏ وإذا كان فقيرا لا يملك شيئا رأيت أن أبيعه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد باع المدبر لما علم أن صاحبه لا يملك شيئا غيره‏,‏ باعه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما علم حاجته وهذا قول إسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة وقالا‏:‏ إن باعه من غير حاجة‏,‏ أجزناه ونقل جماعة عن أحمد جواز بيع المدبر مطلقا في الدين وغيره مع الحاجة وعدمها قال إسماعيل بن سعيد‏:‏ سألت أحمد عن بيع المدبر‏,‏ إذا كان بالرجل حاجة إلى ثمنه قال‏:‏ له أن يبيعه محتاجا كان إلى ذلك أو غير محتاج وهذا هو الصحيح وروي مثل هذا عن عائشة‏,‏ وعمر بن عبد العزيز وطاوس ومجاهد وهو قول الشافعي وكره بيعه ابن عمر‏,‏ وسعيد بن المسيب والشعبي والنخعي‏,‏ وابن سيرين والزهري والثوري‏,‏ والأوزاعي والحسن بن صالح وأصحاب الرأي ومالك لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ لا يباع المدبر ولا يشترى‏)‏ ولأنه استحق العتق بموت سيده‏,‏ أشبه أم الولد ولنا ما روى جابر رضي الله عنه ‏(‏أن رجلا أعتق مملوكا له عن دبر فاحتاج‏,‏ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ من يشتريه مني فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه وقال‏:‏ أنت أحوج منه‏)‏ متفق عليه قال جابر‏:‏ عبد قبطي مات عام أول‏,‏ في إمارة ابن الزبير وقال أبو إسحاق الجوزجاني‏:‏ صحت أحاديث بيع المدبر باستقامة الطرق والخبر إذا ثبت استغنى به عن غيره من رأى الناس ولأنه عتق بصفة‏,‏ ثبت بقول المعتق فلم يمنع البيع كما لو قال‏:‏ إن دخلت الدار‏,‏ فأنت حر ولأنه تبرع بمال بعد الموت فلم يمنع البيع في الحياة كالوصية قال أحمد‏:‏ هم يقولون‏:‏ من قال‏:‏ غلامي حر رأس الشهر فله بيعه قبل رأس الشهر‏,‏ وإن قال‏:‏ غدا فله بيعه اليوم وإن قال‏:‏ إذا مت قال‏:‏ لا يبيعه فالموت أكثر من الأجل ليس هذا قياسا‏,‏ إن جاز أن يبيعه قبل رأس الشهر فله أن يبيعه قبل مجيء الموت وهم يقولون في من قال‏:‏ إن مت من مرضي هذا‏,‏ فعبدي حر ثم لم يمت من مرضه ذلك فليس بشيء وإن قال‏:‏ إن مت فهو حر لا يباع وهذا متناقض‏,‏ إنما أصله الوصية من الثلث فله أن يغير وصيته ما دام حيا فأما خبرهم فلم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما هو من قول ابن عمر قال الطحاوي‏:‏ هو عن ابن عمر‏,‏ وليس بمسند عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحتمل أنه أراد بعد الموت أو على الاستحباب أما أم الولد فإن عتقها يثبت بغير اختيار سيدها‏,‏ وليس بتبرع ويكون من جميع المال ولا يمكن إبطاله بحال‏,‏ والتدبير بخلافه ووجه قول الخرقي إن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما باع المدبر عند الحاجة فلا يتجاوز به موضع الحاجة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولا تباع المدبرة في الدين‏,‏ إلا في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله -رحمه الله- والرواية الأخرى الأمة كالعبد ‏]‏

لا نعلم هذا التفريق بين المدبرة والمدبر عن غير إمامنا‏,‏ -رحمه الله- وإنما احتاط في رواية المنع من بيعها لأن فيه إباحة فرجها وتسليط مشتريها على وطئها‏,‏ مع وقوع الخلاف في بيعها وحلها فكره الإقدام على ذلك مع الاختلاف فيه والظاهر أن هذا المنع منه كان على سبيل الورع‏,‏ لا على التحريم البات فإنه إنما قال‏:‏ لا يعجبني بيعها والصحيح جواز بيعها فإن عائشة باعت مدبرة لها سحرتها ولأن المدبرة في معنى المدبر فما ثبت فيه ثبت فيها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ فإن اشتراه بعد ذلك‏,‏ رجع في التدبير ‏]‏

وجملة ذلك أن السيد إذا دبر عبده ثم باعه‏,‏ ثم اشتراه عاد تدبيره لأنه علق عتقه بصفة فإذا باعه ثم اشتراه‏,‏ عادت الصفة كما لو قال‏:‏ أنت حر إن دخلت الدار ثم باعه ثم اشتراه وذكر القاضي‏,‏ أن هذا مبنى على أن التدبير تعليق بصفة وفيه رواية أخرى أنه وصية فتبطل بالبيع‏,‏ ولا تعود لأنه لو وصى بشيء ثم باعه بطلت الوصية ولم تعد بشرائه ومذهب الشافعي مثل هذا‏,‏ إلا أن عود الصفة بعد الشراء له فيه قولان والصحيح ما قال الخرقي لأن التدبير وجد فيه التعليق بصفة فلا يزول حكم التعليق بوجود معنى الوصية فيه بل هو جامع للأمرين‏,‏ وغير ممتنع وجود الحكم بسببين فيثبت حكمها فيه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولو دبره ثم قال‏:‏ قد رجعت في تدبيري‏,‏ أو قد أبطلته لم يبطل لأنه علق العتق بصفة في إحدى الروايتين والأخرى يبطل التدبير ‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد -رحمه الله- ‏,‏ في بطلان التدبير بالرجوع فيه قولا فالصحيح أنه لا يبطل لأنه علق العتق بصفة فلا يبطل‏,‏ كما لو قال لعبده‏:‏ إن دخلت الدار فأنت حر والثانية‏,‏ يبطل لأنه جعل له نفسه بعد موته فكان ذلك وصية فجاز الرجوع فيه بالقول‏,‏ كما لو وصى له بعبد آخر وهذا قول الشافعي القديم وقوله الجديد كالرواية الأولى وهو الصحيح لأنه تعليق للعتق بصفة ولا يصح القول بأنه وصية به لنفسه لأنه لا يملك نفسه وإنما تحصل فيه الحرية ويسقط عنه الرق‏,‏ ولهذا لا تقف الحرية على قبوله ولا اختياره وتتنجز عقيب الموت كتنجزها عقيب سائر الشروط‏,‏ ولأنه غير ممتنع أن يجمع الأمرين فثبت فيه حكم التعليق في امتناع الرجوع ويجتمعان في حصول العتق بالموت‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال السيد لمدبره‏:‏ إذا أديت إلى ورثتي كذا‏,‏ فأنت حر فهو رجوع عن التدبير وينبني على الروايتين إن قلنا‏:‏ له الرجوع بالقول فظاهره أنه بطل التدبير ها هنا وإن قلنا‏:‏ ليس له الرجوع لم يؤثر القول شيئا‏.‏

وإن دبره كله‏,‏ ثم رجع في نصفه صح إذا قلنا‏:‏ له الرجوع في جميعه لأنه لما صح أن يدبر نصفه ابتداء‏,‏ صح أن يرجع في تدبير نصفه وإن غير التدبير فكان مطلقا فجعله مقيدا‏,‏ صار مقيدا إن قلنا بصحة الرجوع في التدبير وإلا فلا‏,‏ وإن كان مقيدا فأطلقه صح‏,‏ على كل حال لأنه زيادة فلا يمنع منها‏.‏

وإذا دبر الأخرس وكانت إشارته أو كتابته معلومة‏,‏ صح تدبيره ويصح رجوعه إن قلنا بصحة الرجوع في التدبير لأن إشارته وكتابته تقوم مقام نطق الناطق في أحكامه وإن دبر وهو ناطق‏,‏ ثم صار أخرس صح رجوعه بإشارته المعلومة أو كتابته وإن لم تفهم إشارته فلا عبرة بها لأنه لا يعلم رجوعه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا رهن المدبر‏,‏ لم يبطل تدبيره لأنه تعليق للعتق بصفة فإن مات السيد وهو رهن‏,‏ عتق وأخذ من تركة سيده قيمته فتكون رهنا مكانه لأن عتقه بسبب من جهة سيده‏,‏ فأشبه ما لو باشره بالعتق ناجزا‏.‏

فصل‏:‏

وإن ارتد المدبر ولحق بدار الحرب لم يبطل تدبيره لأن ملك سيده باق عليه‏,‏ ويصح تصرفه فيه بالعتق والهبة والبيع إن كان مقدورا عليه فإن سباه المسلمون‏,‏ لم يملكوه لأنه مملوك لمعصوم ويرد إلى سيده إن علم به قبل قسمه‏,‏ ويستتاب فإن تاب وإلا قتل‏,‏ وإن لم يعلم به حتى قسم لم يرد إلى سيده في إحدى الروايتين‏.‏ والأخرى إن اختار سيده أخذه بالثمن الذي حسب به على آخذه أخذه‏,‏ وإن لم يختر أخذه بطل تدبيره ومتى عاد إلى سيده بوجه من الوجوه عاد تدبيره‏,‏ وإن لم يعد إلى سيده بطل تدبيره كما لو بيع‏,‏ وكان رقيقا لمن هو في يده وإن مات سيده قبل سبيه عتق فإن سبى بعد هذا‏,‏ لم يرد إلى ورثة سيده لأن ملكه زال عنه بحريته فصار كأحرار دار الحرب ولكن يستتاب‏,‏ فإن تاب وأسلم صار رقيقا يقسم بين الغانمين‏,‏ وإن لم يتب قتل ولم يجز استرقاقه لأنه لا يجوز إقراره على كفره وقال القاضي‏:‏ لا يجوز استرقاقه إذا أسلم وهو قول الشافعي لأن في استرقاقه إبطال ولاء المسلم الذي أعتقه ولنا‏,‏ أن هذا لا يمنع قتله وإذهاب نفسه وولائه فلأن لا يمنع تملكه أولى‏,‏ ولأن المملوك الذي لم يعتقه سيده يثبت الملك فيه للغانمين إذا لم يعرف مالكه بعينه ويثبت فيه إذا قسم قبل العلم بمالكه‏,‏ والملك آكد من الولاء فلأن يثبت مع الولاء وحده أولى فعلى هذا لو كان المدبر ذميا‏,‏ فلحق بدار الحرب ثم مات سيده أو أعتقه‏,‏ ثم قدر عليه المسلمون فسبوه ملكوه وقسموه وعلى قول القاضي‏,‏ ومذهب الشافعي لا يملكونه فإن كان سيده ذميا‏,‏ جاز استرقاقه في قول القاضي ولأصحاب الشافعي في استرقاقه وجهان‏:‏ أحدهما يجوز وهذا حجة عليهم لأن عصمة مال الذمي كعصمة مال المسلم‏,‏ بدليل قطع سارقه سواء كان مسلما أو ذميا ووجوب ضمانه‏,‏ وتحريم تملك ماله إذا أخذه الكفار ثم قدر عليه المسلمون‏,‏ فأدركه صاحبه قبل القسمة قال القاضي‏:‏ الفرق بينهما أن سيده ها هنا لو لحق بدار الحرب جاز تملكه‏,‏ فجاز تملك عتقه بخلاف المسلم قلنا‏:‏ إنما جاز استرقاق سيده لزوال عصمته‏,‏ وذهاب عاصمه وهو ذمته وعهده وأما إذا ارتد مدبره‏,‏ فإن عصمة ولائه ثابتة بعصمة من له ولاؤه وهو والمسلم في ذلك سواء فإذا جاز إبطال ولاء أحدهما‏,‏ جاز في الآخر مثله‏.‏

فصل‏:‏

فإن ارتد سيد المدبر فذكر القاضي أن المذهب أنه يكون موقوفا‏,‏ فإن عاد إلى الإسلام فالتدبير باق بحاله لأنا تبينا أن ملكه لم يزل وإن قتل أو مات على ردته‏,‏ لم يعتق المدبر لأنا تبينا أن ملكه زال بردته وقال أبو بكر‏:‏ قياس قول أبي عبد الله إن تدبيره يبطل بالردة فإن عاد إلى الإسلام‏,‏ استأنف التدبير وقال الشافعي‏:‏ التدبير باق ويعتق بموت سيده لأن تدبيره سبق ردته فهو كبيعه وهبته قبل ارتداده وهذا ينبني على القول في مال المرتد هل هو باق على ملكه‏,‏ أو قد زال بردته وقد ذكر في باب المرتد فأما إن دبر في حال ردته فتدبيره مراعى فإن عاد إلى الإسلام‏,‏ تبينا أن تدبيره وقع صحيحا وإن قتل أو مات على ردته تبينا أنه وقع باطلا‏,‏ ولم يعتق المدبر وقال ابن أبي موسى‏:‏ تدبيره باطل وهذا قول أبي بكر لأن الملك عنده يزول بالردة وإذا أسلم رد إليه تملكا مستأنفا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فولدها بمنزلتها ‏]‏

وجملته أن الولد الحادث من المدبرة بعد تدبيرها‏,‏ لا يخلو من حالين أحدهما أن يكون موجودا حال تدبيرها ويعلم ذلك بأن تأتى به لأقل من ستة أشهر من حين التدبير‏,‏ فهذا يدخل معها في التدبير بلا خلاف نعلمه لأنه بمنزلة عضو من أعضائها فإن بطل التدبير في الأم لبيع أو موت أو رجوع بالقول لم يبطل في الولد لأنه ثبت فيه أصلا الحال الثاني‏,‏ أن تحمل به بعد التدبير فهذا يتبع أمه في التدبير ويكون حكمه كحكمها في العتق بموت سيدها في قول أكثر أهل العلم‏,‏ روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وبه قال سعيد بن المسيب والحسن‏,‏ والقاسم ومجاهد والشعبي‏,‏ والنخعي وعمر بن عبد العزيز والزهري‏,‏ ومالك والثوري والحسن بن صالح‏,‏ وأصحاب الرأي وذكر القاضي أن حنبلا نقل عن أحمد أن ولد المدبرة عبد‏,‏ إذا لم يشرط المولى قال‏:‏ فظاهر هذا أنه لا يتبعها ولا يعتق بموت سيدها وهذا قول جابر بن زيد وعطاء وللشافعي قولان‏,‏ كالمذهبين أحدهما يتبعها وهو اختيار المزني لأن عتقها معلق بصفة تثبت بقول المعتق وحده‏,‏ فأشبهت من علق عتقها بدخول الدار قال جابر بن زيد‏:‏ إنما هو بمنزلة الحائط تصدقت به إذا مت فإن ثمرته لك ما عشت ولأن التدبير وصية وولد الموصى بها قبل الموت لسيدها ولنا‏,‏ ما روي عن عمر وابن عمر وجابر‏,‏ أنهم قالوا‏:‏ ولد المدبرة بمنزلتها ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا فكان إجماعا ولأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها‏,‏ فيتبعها ولدها كأم الولد ويفارق التعليق بصفة في الحياة‏,‏ والوصية من جهة أن التدبير آكد من كل واحد منهما لأنه اجتمع فيه الأمران وما وجد فيه سببان آكد مما وجد فيه أحدهما‏,‏ وكذلك لا تبطل بالموت ولا بالرجوع عنه فعلى هذا إن بطل التدبير في الأم لمعنى اختص بها من بيع‏,‏ أو موت أو رجوع لم يبطل في ولدها‏,‏ ويعتق بموت سيدها كما لو كانت أمه باقية على التدبير فإن لم يتسع الثلث لهما جميعا‏,‏ أقرع بينهما فأيهما وقعت القرعة عليه عتق إن احتمله الثلث‏,‏ وإلا عتق منه بقدر الثلث وإن فضل من الثلث بعد عتقه شيء كمل من الآخر كما لو دبر عبدا وأمة معا وأما الولد الذي وجد قبل التدبير‏,‏ فلا نعلم خلافا في أنه لا يتبعها لأنه لا يتبع في العتق المنجز ولا في حكم الاستيلاد ولا في الكتابة‏,‏ فلأن لا يتبع في التدبير أولى قال الميموني‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ ما كان من ولد المدبرة قبل أن تدبر يتبعها قال‏:‏ لا يتبعها من ولدها ما كان قبل ذلك إنما يتبعها ما كان بعدما دبرت وقال حنبل‏:‏ سمعت عمي يقول في الرجل يدبر الجارية ولها ولد‏,‏ قال‏:‏ ولدها معها وجعل أبو الخطاب هذه رواية في أن ولدها قبل التدبير يتبعها وهذا بعيد‏,‏ والظاهر أن أحمد لم يرد أن ولدها قبل التدبير معها وإنما أراد ولدها بعد التدبير على ما صرح به في غير هذه الرواية فإن ولدها الموجود لا يتبعها في عتق‏,‏ ولا كتابة ولا استيلاد ولا بيع‏,‏ ولا هبة ولا رهن ولا شيء من الأسباب الناقلة للملك في الرقبة‏.‏

فصل‏:‏

فإن علق عتق أمته بصفة‏,‏ نظرنا فإن كانت حاملا حين التعليق تبعها فيه لأنه كعضو من أعضائها وإن كانت حاملا حين وجود الصفة‏,‏ عتق معها لذلك وإن حملت بعد التعليق وولدت قبل وجود الصفة لم يتبعها في الصفة‏,‏ ولم يعتق بوجودها وفيه وجه آخر أنه يعتق بها ويتبع أمه في ذلك ولأصحاب الشافعي وجهان‏,‏ كهذين ووجه إتباعه إياها أنها استحقت الحرية فتبعها ولدها‏,‏ كالمدبرة ولنا أنه يملكها ملكا كاملا ويباح له التصرف في رقبتها بأنواع التصرفات‏,‏ بغير خلاف فلم يعتق ولدها بعتقها كالموصى بعتقها‏,‏ أو الموكل فيه وتفارق المدبرة فإن التدبير آكد لما ذكرنا ولهذا اختلف في جواز بيعها والتصرف فيها‏.‏

فصل‏:‏

فأما ولد المدبر‏,‏ فحكمه حكم أمه لا نعلم فيه خلافا وهذا قول ابن عمر وعطاء والزهري‏,‏ والأوزاعي والليث وذلك لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية وإن تسري بإذن سيده فولد له أولاد‏,‏ فروي عن أحمد أنهم يتبعونه في التدبير وروي ذلك عن مالك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن إباحة التسري تنبني على ثبوت الملك وولد الحر من أمته يتبعه في الحرية دونها‏,‏ كذلك ولد المدبر من أمته يتبعه دونها ولأنه ولد من يستحق الحرية من أمته فيتبعه في ذلك‏,‏ كولد المكاتب من أمته‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ولدت المدبرة فرجع في تدبيرها وقلنا بصحة الرجوع‏,‏ لم يتبعها ولدها لأن الولد المنفصل لا يتبع في الحرية ولا في التدبير ففي الرجوع أولى وإن رجع في تدبيره وحده جاز لأنه إذا جاز الرجوع في الأم المباشرة بالتدبير‏,‏ ففي غيرها أولى وإن رجع في تدبيرها جاز كما لو دبرها وابنها المنفصل وإن دبرها حاملا‏,‏ ثم رجع في تدبيرها حال حملها لم يتبعها الولد في الرجوع لأن التدبير إعتاق والإعتاق مبني على التغليب والسراية‏,‏ والرجوع عنه بعكس ذلك فلم يتبع الولد فيه وهذا كما لو ولد له توأمان فأقر بأحدهما‏,‏ لزماه جميعا وإن نفى أحدهما لم ينتف الآخر‏,‏ وإن رجع فيهما جميعا جاز وإن رجع في أحدهما دون الآخر‏,‏ جاز وإن دبر الولد دون أمه أو الأم دون ولدها جاز لأنه يجوز أن يعتق كل واحد منهما دون صاحبه‏,‏ فجواز أن يدبر أحدهما دون صاحبه أولى ولأنه تعليق العتق بصفة فجاز في أحدهما دون الآخر‏,‏ كالتعليق بدخول الدار وإن دبر أمته ثم قال‏:‏ إن دخلت الدار فقد رجعت في تدبيري لم يصح لأن الرجوع لا يصح تعليقه بصفة وإن قال‏:‏ كلما ولدت ولدا‏,‏ فقد رجعت في تدبيره لم يصح لذلك‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اختلفت المدبرة وورثة سيدها في ولدها فقالت‏:‏ ولدتهم بعد تدبيري فعتقوا معي وقال الورثة‏:‏ بل ولدتهم قبل تدبيرك‏,‏ فهم مملوكون لنا فالقول قول الورثة مع أيمانهم لأن الأصل بقاء رقهم وانتفاء الحرية عنهم فإذا لم تكن بينة‏,‏ فالقول قول من يوافق قوله الأصل‏.‏

فصل‏:‏

وكسب المدبر في حياة سيده لسيده وله أخذه منه لأن التدبير لا يخرج عن شبهه بالوصية بالعتق أو بالتعليق له على صفة‏,‏ أو بالاستيلاد وكل هؤلاء كسبهم لسيدهم فكذلك المدبر فإن اختلف هو وورثة سيده فيما في يده بعد عتقه‏,‏ فقال‏:‏ كسبته بعد حريتي وقالوا‏:‏ بل قبل ذلك فالقول قوله لأنه في يده ولم يثبت ملكهم عليه بخلاف الولد‏,‏ فإنه كان رقيقا لهم فإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه قدمت بينة الورثة عند من يقدم بينة الخارج‏,‏ وبينة المدبر عند من يقدم بينة الداخل وإن أقر المدبر أن ذلك كان في يده في حياة سيده ثم تجدد ملكه عليه بعد موته فالقول قول الوارث لأن الأصل معهم فإن أقام المدبر بينة بدعواه‏,‏ قبلت وتقدم على بينة الورثة إن كانت لهم بينة لأن بينة المدبر تشهد بزيادة وإن لم يقر المدبر بأنه كان في يده في حياة سيده فأقام الورثة بينة به‏,‏ فهل تسمع بينتهم‏؟‏ على وجهين‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وله إصابة مدبرته ‏]‏

يعني‏:‏ له وطؤها روي عن ابن عمر أنه دبر أمتين وكان يطؤهما وممن رأى ذلك ابن عباس‏,‏ وسعيد بن المسيب وعطاء والثوري‏,‏ والنخعي ومالك والأوزاعي‏,‏ والليث والشافعي قال أحمد‏:‏ لا أعلم أحدا كره ذلك غير الزهري وحكي عن الأوزاعي‏,‏ أنه كان يقول‏:‏ إن كان يطؤها قبل تدبيرها فلا بأس بوطئها بعده وإن كان لا يطؤها قبله‏,‏ لم يطأها بعد تدبيرها ولنا أنها مملوكته لم تشتر نفسها منه‏,‏ فحل له وطؤها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين‏}‏ وكأم الولد‏.‏

فصل‏:‏

وابنة المدبرة كأمها في حل وطئها إن لم يكن وطئ أمها وعنه ليس له وطؤها لأن حق الحرية ثبت لها تبعا أشبه ولد المكاتبة ولنا أن ملك سيدها تام عليها‏,‏ فحل له وطؤها للآية وكأمها واستحقاقها للحرية لا يزيد على استحقاق أمها‏,‏ ولم يمنع ذلك وطأها وأما ولد المكاتبة فألحقت بأمها وأمها يحرم وطؤها فكذلك ابنتها‏,‏ وأم هذه يحل وطؤها فيجب إلحاقها بها وكلام أحمد محمول على أنه وطئ أمها‏,‏ فحرمت عليه لذلك‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين عدلين أو شاهد ويمين العبد ‏]‏

وجملته أن العبد إذا ادعى على سيده أنه دبره‏,‏ فدعواه صحيحة لأنه يدعى استحقاق العتق ويحتمل أن لا تصح الدعوى لأن السيد إذا أنكر التدبير كان بمنزلة إنكار الوصية وإنكار الوصية رجوع عنها في أحد الوجهين‏,‏ فيكون إنكار التدبير رجوعا عنه والرجوع عنه يبطله في أحد الوجهين‏,‏ فتبطل الدعوى والصحيح أن الدعوى صحيحة لأن الصحيح أن الرجوع عن التدبير لا يبطله ولو أبطله فما ثبت كون الإنكار رجوعا ولو ثبت ذلك‏,‏ فلا يتعين الإنكار جوابا للدعوى فإنه يجوز أن يكون جوابها إقرارا فإذا ثبت هذا فإن السيد إن أقر‏,‏ فلا كلام وإن أنكر ولم تكن للعبد بينة فالقول قول المنكر مع يمينه لأن الأصل عدمه‏,‏ وإن كانت للعبد بينة حكم بها ويقبل فيه شاهدان عدلان‏,‏ بلا خلاف وإن لم يكن له إلا شاهد واحد وقال‏:‏ أنا أحلف معه أو شاهد وامرأتان ففيه روايتان إحداهما‏,‏ لا يحكم به وهو مذهب الشافعي لأن الثابت به الحرية وكمال الأحكام وهذا ليس بمال‏,‏ ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فأشبه النكاح والطلاق والثانية‏,‏ يثبت بذلك لأنه لفظ يزول به ملكه عن مملوكه فأشبه البيع وهذا أجود لأن البينة إنما تراد لإثبات الحكم على المشهود عليه وهي في حقه إزالة ملكه عن ماله‏,‏ فثبت بهذا وإن حصل به غرض آخر للمشهود له فلا يمنع ذلك من ثبوته بهذه البينة ولأن العتق مما يتشوف إليه‏,‏ ويبنى على التغليب والسراية فينبغي أن يسهل طريق إثباته وإن كان الاختلاف بين العبيد وورثة السيد بعد موته‏,‏ فهو كما لو كان الخلاف مع السيد إلا أن الدعوى صحيحة بغير خلاف لأنهم لا يملكون الرجوع‏,‏ وأيمانهم على نفي العلم لأن الخلاف في فعل موروثهم وأيمانهم على نفي فعله وتجب اليمين على كل واحد من الورثة‏,‏ ومن نكل منه عتق نصيبه ولم يسر إلى باقيه وكذلك إن أقر لأن إعتاقه بفعل الموروث‏,‏ لا بفعل المقر ولا الناكل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا دبر عبده ومات‏,‏ وله مال غائب أو دين في ذمة موسر أو معسر عتق من المدبر ثلثه‏,‏ وكلما اقتضى من دينه شيء أو حضر من ماله الغائب شيء عتق من المدبر مقدار ثلثه‏,‏ كذلك من يعتق الثلث حتى كله ‏]‏

وجملة ذلك أن السيد إذا دبر عبده ومات وله مال سواه يفى بثلثي ماله‏,‏ إلا أنه غائب أو دين في ذمة إنسان لم يعتق جميع العبد لجواز أن يتلف الغائب‏,‏ أو يتعذر استيفاء الدين فيكون العبد جميع التركة وهو شريك الورثة فيها‏,‏ له ثلثها ولهم ثلثاها فلا يجوز أن يحصل على جميعها‏,‏ ولكنه يتنجز عتق ثلثه ويبقى ثلثاه موقوفين لأن ثلثه حر على كل حال لأن أسوأ الأحوال أن لا يحصل من سائر المال شيء‏,‏ فيكون العبد جميع التركة فيعتق ثلثه كما لو لم يكن له مال سواه‏,‏ وكلما اقتضى من الدين شيء أو حضر من الغائب شيء عتق من المدبر قدر ثلثه‏,‏ فإذا كانت قيمته مائة وقدم من الغائب مائة عتق ثلثه الثاني‏,‏ فإذا قدمت مائة أخرى عتق ثلثه الباقي وإن بقي له دين بعد ذلك أو مال غائب‏,‏ لم يؤثر بقاؤه لأن الحاصل من المال يخرج المدبر كله من ثلثه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولهم وجه آخر لا يعتق منه شيء‏,‏ حتى يستوفى من الدين شيء أو يقدم من الغائب شيء فيعتق من العبد قدر نصفه لأن الورثة لم يحصل لهم شيء‏,‏ والعبد شريكهم فلا يجوز أن يحصل على شيء ما لم يحصل لهم مثلاه فإن تلف الغائب‏,‏ ويئس من استيفاء الدين عتق ثلثه حينئذ وملكوا ثلثيه لأن العبد صار جميع التركة وهذا لا يصح لأن ثلث العبد خارج من الثلث يقينا‏,‏ وإنما الشك في الزيادة عليه وما خرج من الثلث يقينا يجب أن يكون حرا يقينا‏,‏ لأن التدبير صحيح ولا خلاف في أنه ينفذ في الثلث ووقف هذا الثلث عن العتق - مع يقين حصول العتق فيه ووجود المقتضى له‏,‏ وعدم الفائدة في وقفه - لا معنى له وكون الورثة لم يحصل لهم شيء لمعنى اختص بهم لا يوجب أن لا يحصل له شيء مع عدم ذلك المعنى فيه‏,‏ ألا ترى أنه لو أبرأه غريمه من دينه وهو جميع التركة فإنه يبرأ من ثلثه ولم يحصل للورثة شيء‏؟‏ ولو كان الدين مؤجلا‏,‏ فأبرأه منه برئ من ثلثه في الحال وتأخر استيفاء الثلثين إلى الأجل ولو كان الغريم معسرا‏,‏ برئ من ثلثه في الحال وتأخر الباقي إلى الميسرة ولأن تأخير عتق الثلث لا فائدة للورثة فيه ويفوت نفعه للمدبر‏,‏ فينبغي أن لا يثبت فإذا ثبت هذا فإن العبد إذا عتق كله بقدوم الغائب‏,‏ أو استيفاء الدين تبينا أنه كان حرا حين الموت فيكون كسبه له لأنه إنما عتق بالتدبير‏,‏ ووجود الشرط الذي علق عليه السيد حريته وهو الموت وإنما وقفناه للشك في خروجه من الثلث‏,‏ فإذا زال الشك تبينا أنه كان حاصلا قبل زوال الشك وإن تلف المال تبينا أنه كان ثلثاه رقيقا‏,‏ ولم يعتق منه سوى ثلثه وإن تلف بعض المال رق من المدبر ما زاد على قدر ثلث الحاصل من المال‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان المدبر عبدين وله دين‏,‏ يخرجان من ثلث المال على تقدير حصوله أقرعنا بينهما‏,‏ فيعتق ممن تخرج له القرعة قدر ثلثهما وكان باقيه والعبد الآخر موقوفا فإذا استوفى من الدين شيء كمل من عتق من وقعت له القرعة قدر ثلثه وما فضل عتق من الآخر‏,‏ كذلك حتى يعتقا جميعا أو مقدار الثلث منهما وإن تعذر استيفاء الدين لم يرد العتق على قدر ثلثهما وإن خرج الذي وقعت له القرعة مستحقا‏,‏ بطل العتق فيه وعتق من الآخر ثلثه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا دبر عبدا قيمته مائة وله مائة دينا‏,‏ عتق ثلثه ورق ثلثه ووقف ثلثه على استيفاء الثلث الباقي وإذا كانت له مائة حاضرة مع ذلك‏,‏ عتق من المدبر ثلثاه ووقف ثلثه على استيفاء الدين‏.‏

فصل‏:‏

وإن دبر عبده وقيمته مائة‏,‏ وله ابنان وله مائتان دينا على أحدهما عتق من المدبر ثلثاه لأن حصة الذي عليه الدين منه المستوفى‏,‏ ويسقط عن الذي عليه الدين منه نصفه لأنه قدر حصته من الميراث ويبقى الآخر عليه مائة كلما استوفى منها شيئا‏,‏ عتق قدر ثلثه وإن كانت المائتان دينا على الابنين بالسوية عتق المدبر كله لأن كل واحد منهما عليه قدر حقه وقد حصل ذلك بسقوطه من ذمته‏.‏

فصل‏:‏

فإن دبر عبدا قيمته مائة‏,‏ وخلف ابنين ومائتي درهم دينا له على أحدهما ووصى لرجل بثلث ماله عتق من المدبر ثلثه‏,‏ وسقط عن الغريم مائة وكان للموصى له سدس العبد وللابنين ثلثه‏,‏ ويبقى سدس العبد موقوفا لأن الحاصل من المال ثلثاه وهو العبد والمائة الساقطة عن الغريم وثلث ذلك مقسوم بين المدبر والوصي نصفين‏,‏ فحصة المدبر منه ثلثه يعتق في الحال ويبقى له السدس موقوفا‏,‏ فكلما اقتضى من المائة الباقية شيء عتق من المدبر قدر سدسه ويكون المستوفى بين الابنين والوصي أثلاثا‏,‏ فإذا استوفيت كلها حصل للابن ثلثاها وثلث العبد وهو قدر حقه‏,‏ وكمل في المدبر عتق نصفه وحصل للوصي سدس العبد وثلث المائة وهو قدر حقه وإن كان الدين على أجنبي‏,‏ لم يعتق من المدبر إلا سدسه لأن الحاصل من التركة هو العبد وثلثه بينه وبين الوصي الآخر وللوصي سدسه‏,‏ ولكل ابن سدسه ويبقى ثلثه موقوفا فكلما اقتضى من الدين شيء‏,‏ عتق من المدبر قدر سدسه وكان المستوفى بين الابنين والوصي أسداسا للوصي سدسه ولهما خمسة أسداسه‏,‏ فيحصل لكل واحد نصف المائة وثلثها وسدس العبد وهو قدر حقه ويحصل للوصي سدس المائتين وسدس العبد‏,‏ وهو قدر حقه ويعتق من المدبر نصفه وهو قدر حقه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا دبر قبل البلوغ كان تدبيره جائزا‏,‏ إذا كان له عشر سنين فصاعدا وكان يعرف التدبير وما قلته في الرجل فالمرأة مثله‏,‏ إذا كان لها تسع سنين فصاعدا ‏]‏

وجملته أن تدبير الصبي المميز ووصيته جائزة وهذا إحدى الروايتين عن مالك‏,‏ وأحد قولي الشافعي قال‏:‏ بعض أصحابه‏:‏ هو أصح قوليه وروي ذلك عن عمر وشريح وعبد الله بن عتبة وقال الحسن‏,‏ وأبو حنيفة‏:‏ لا يصح تدبيره كالمجنون وهو الرواية الثانية عن مالك والقول الثاني للشافعي لأنه لا يصح إعتاقه‏,‏ فلم يصح تدبيره كالمجنون ولنا ما روى سعيد‏,‏ عن هشيم عن يحيى عن ابن سعيد عن أبي بكر بن محمد‏,‏ أن غلاما من الأنصار أوصى لأخوال له من غسان بأرض يقال لها‏:‏ بئر جشم قومت بثلاثين ألفا فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب‏,‏ فأجاز الوصية قال يحيى بن سعيد‏:‏ وكان الغلام ابن عشر سنين أو اثنتي عشرة سنة وروي أن قوما سألوا عمر رضي الله عنه عن غلام من غسان يافع وصى لبنت عمه‏,‏ فأجاز عمر وصيته ولم نعرف له مخالفا ولأن صحة وصيته وتدبيره أحظ له بيقين لأنهما باقيا لا يلزمه‏,‏ فإذا مات كان ذلك صلة وأجرا فصح كوصية المحجور عليه لسفه‏,‏ ويخالف العتق لأن فيه تفويت ماله عليه في حياته ووقت حاجته فأما تقييد من يصح تدبيره بمن له عشر فلقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏اضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع‏)‏ وهو الذي ورد فيه الخبر عن عمر رضي الله عنه واعتبر المرأة بتسع لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ إذا بلغت الجارية تسع سنين‏,‏ فهي امرأة ويروى ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعا ولأنه السن الذي يمكن بلوغها فيه ويتعلق به أحكام سوى ذلك‏.‏

فصل‏:‏

ويصح منه الرجوع إن قلنا بصحة الرجوع من المكلف لأن من صحت وصيته صح رجوعه‏,‏ كالمكلف وإن أراد بيع المدبر قام وليه في بيعه مقامه وإن أذن له وليه في بيعه فباعه‏,‏ صح منه‏.‏

فصل‏:‏

ويصح تدبير المحجور عليه لسفه ووصيته لما ذكرنا في الصبي ولا تصح وصية المجنون ولا تدبيره لأنه لا يصح شيء من تصرفاته وإن كان يجن يوما‏,‏ ويفيق يوما صح تدبيره في إفاقته‏.‏

فصل‏:‏

ويصح تدبير الكافر ذميا كان أو حربيا في دار الإسلام ودار الحرب لأن له ملكا صحيحا‏,‏ فصح تصرفه فيه كالمسلم فإن قيل‏:‏ لو كان ملكه صحيحا لم يملك عليه بغير اختياره قلنا‏:‏ هذا لا ينافى الملك‏,‏ بدليل أنه يملك في النكاح ويملك زوجته عليه بغير اختياره ومن عليه الدين إذا امتنع من قضائه‏,‏ أخذ من ماله بقدر ما عليه بغير اختياره وحكم تدبيره حكم تدبير المسلم على ما ذكرنا فإن أسلم مدبر الكافر‏,‏ أمر بإزالة ملكه عنه وأجبر عليه لئلا يبقى الكافر مالكا للمسلم‏,‏ كغير المدبر ويحتمل أن يترك في يد عدل وينفق عليه من كسبه فإن لم يكن له كسب‏,‏ أجبر سيده على الإنفاق عليه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه بناء على أن بيع المدبر غير جائز‏,‏ ولأن في بيعه إبطال سبب العتق وإزالة غرضيته فكان إبقاؤه أصلح فتعين‏,‏ كأم الولد فإن قلنا ببيعه فباعه بطل تدبيره وإن قلنا‏:‏ يترك في يد عدل فإنه يستنيب من يتولى استعماله واستكسابه‏,‏ وينفق عليه من كسبه وما فضل فلسيده وإن لم يف بنفقته‏,‏ فالباقي على سيده وإن اتفق هو وسيده على المخارجة جاز وينفق على نفسه مما فضل من كسبه‏,‏ فإذا مات سيده عتق إن خرج من الثلث وإلا عتق منه بقدر الثلث‏,‏ وبيع الباقي على الورثة إن كانوا كفارا وإن أسلموا بعد الموت ترك وإن رجع سيده في تدبيره وقلنا بصحة الرجوع‏,‏ بيع عليه وإن كان المدبر كمستأمن وأراد أن يرجع به إلى دار الحرب ولم يكن أسلم‏,‏ لم يمنع من ذلك وإن كان قد أسلم منع منه لأننا نحول بينه وبينه في دار الإسلام‏,‏ فأولى أن يمنع من التمكن به في دار الحرب‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره ‏]‏

إنما يبطل تدبيره بقتله سيده لمعنيين أحدهما‏:‏ أنه قصد استعجال العتق بالقتل المحرم‏,‏ فعوقب بنقيض قصده وهو إبطال التدبير كمنع الميراث بقتل الموروث‏,‏ ولأن العتق فائدة تحصل بالموت فتنتفي بالقتل كالإرث والوصية والثاني‏,‏ أن التدبير وصية فتبطل بالقتل كالوصية بالمال ولا يلزم على هذا عتق أم الولد لكونه آكد فإنها صارت بالاستيلاد بحال لا يمكن نقل الملك فيها بحال‏,‏ ولذلك لم يجز بيعها ولا هبتها ولا رهنها‏,‏ ولا الرجوع عن ذلك بالقول ولا غيره والإرث نوع من النقل‏,‏ فلو لم تعتق بموت سيدها لانتقل الملك فيها إلى الوارث ولا سبيل إليه بخلاف المدبر‏,‏ ولأن سبب حرية أم الولد الفعل والبعضية التي حصلت بينها وبين سيدها بواسطة ولدها وهذا آكد من القول ولهذا انعقد استيلاد المجنون‏,‏ ولم ينفذ إعتاقه ولا تدبيره وسرى حكم استيلاد المعسر إلى نصيب شريكه بخلاف الإعتاق‏,‏ وعتقت من رأس المال والتدبير لا ينفذ إلا في الثلث ولا يملك الغرماء إبطال عتقها وإن كان سيدها مفلسا‏,‏ بخلاف المدبر ولا يلزم من الحكم في موضع تأكد الحكم فيما دونه‏,‏ كما لم يلزم إلحاقه به في هذه المواضع التي افترقا فيها إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون القتل عمدا أو خطأ‏,‏ كما لا فرق بين ذلك في حرمان الإرث وإبطال وصية القاتل‏.‏

فصل‏:‏

فأما سائر جناياته غير قتل سيده‏,‏ فلا تبطل تدبيره لكن إن كانت جناية موجبة للمال أو موجبة للقصاص‏,‏ فعفا الولي إلى مال تعلق المال برقبته فمن جوز بيعه‏,‏ جعل سيده بالخيار بين تسليمه فيباع في الجناية وبين فدائه فإن سلمه في الجناية فبيع فيها‏,‏ بطل تدبيره وإن عاد إلى سيده عاد تدبيره‏,‏ وإن اختار فداءه وفداه بما يفدي به العبد فهو مدبر بحاله ومن لم يجز بيعه‏,‏ عين فداءه على سيده كأم الولد وإن كانت الجناية موجبة للقصاص فاقتص منه في النفس‏,‏ بطل تدبيره وإن اقتص منه في الطرف فهو مدبر بحاله وإذا مات سيده بعد جنايته‏,‏ وقبل استيفائها عتق على كل حال‏,‏ سواء كانت موجبة للمال أو القصاص لأن صفة العتق وجدت فيه فأشبه ما لو باشره به فإن كان الواجب قصاصا استوفي‏,‏ سواء كانت جنايته على عبد أو حر لأن القصاص قد استقر وجوبه عليه في حال رقه فلا يسقط بحدوث الحرية فيه وإن كان الواجب عليه مالا في رقبته فدى بأقل الأمرين من قيمته‏,‏ أو أرش جنايته وإن جنى على المدبر فأرش الجناية لسيده فإن كانت الجناية على نفسه وجبت قيمته لسيده‏,‏ وبطل التدبير بهلاكه فإن قيل‏:‏ فهلا جعلتم قيمته قائمة مقامه كالعبد المرهون والموقوف إذا جنى عليه قلنا‏:‏ الفرق بينهما من ثلاثة أوجه أحدها أن كل واحد من الوقف والرهن لازم‏,‏ فتعلق الحق ببدله والتدبير غير لازم لأنه يمكن إبطاله بالبيع وغيره فلم يتعلق الحق ببدله الثاني‏,‏ أن الحق في التدبير للمدبر فبطل حقه بفوات مستحقه والبدل لا يقوم مقامه في الاستحقاق‏,‏ والحق في الوقف للموقوف عليه وفي الرهن للمرتهن وهو باق‏,‏ فيثبت حقه في بدل محل حقه الثالث أن المدبر إنما ثبت حقه بوجود موت سيده فإذا هلك قبل سيده‏,‏ فقد هلك قبل ثبوت الحق له فلم يكن له بدل بخلاف الرهن والوقف‏,‏ فإن الحق ثابت فيهما فقام بدلهما مقامهما وبين الرهن والمدبر فرق رابع‏,‏ وهو أن الواجب القيمة ولا يمكن وجود التدبير فيها ولا قيامها مقام المدبر فيه‏,‏ وإن أخذ عبدا مكانه فليس هو البدل إنما هو بدل القيمة‏,‏ بخلاف الرهن فإن القيمة يجوز أن تكون رهنا فإن قيل‏:‏ فهذا يلزم عليه الموقوف فإنه إذا قتل‏,‏ أخذت قيمته فاشترى بها عبد يكون وقفا مكانه قلنا‏:‏ قد حصل الفرق بين المدبر والرهن من الوجوه الثلاثة وكونه لا يحصل الفرق بينه وبين الوقف من هذا الوجه‏,‏ لا يمنع أن يحصل الفرق بينه وبين الرهن به‏.‏

فصل‏:‏

وإذا دبر السيد عبده ثم كاتبه جاز نص عليه أحمد وهذا قول ابن مسعود‏,‏ وأبي هريرة والحسن ولفظ حديث أبي هريرة عن مجاهد‏,‏ قال‏:‏ دبرت امرأة من قريش خادما لها ثم أرادت أن تكاتبه قال‏:‏ فكنت الرسول إلى أبي هريرة‏,‏ فقال‏:‏ كاتبيه فإن أدى كتابته فذاك وإن حدث بك حدث عتق قال‏:‏ وأراه قال‏:‏ على ما كان عليه له ولأن التدبير إن كان عتقا بصفة‏,‏ لم يمنع الكتابة كالذي علق عتقه بدخول الدار وإن كان وصية‏,‏ لم يمنعها كما لو وصى بعتقه ثم كاتبه ولأن التدبير والكتابة سببان للعتق‏,‏ فلم يمنع أحدهما الآخر كتدبير المكاتب وذكر القاضي أن التدبير يبطل بالكتابة إذا قلنا‏:‏ هو وصية كما لو وصى به لرجل ثم كاتبه وهذا يخالف ظاهر كلام أحمد‏,‏ وهو غير صحيح في نفسه ويفارق التدبير الوصية به لرجل لأن مقصود الكتابة والتدبير لا يتنافيان إذ كان المقصود منهما جميعا العتق فإذا اجتمعا كان آكد لحصوله‏,‏ فإنه إذا فات عتقه من أحدهما حصل بالآخر وأيهما وجد قبل صاحبه‏,‏ حصل العتق به ومقصود الوصية به والكتابة يتنافيان لأن الكتابة تراد للعتق والوصية تراد لحصول الملك فيه للموصى له‏,‏ ولا يجتمعان إذا ثبت هذا فإنه إن أدى في حياة السيد صار حرا بالكتابة‏,‏ وبطل التدبير وإن مات السيد قبل الأداء عتق بالتدبير إن خرج من الثلث وبطلت الكتابة‏,‏ وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما عتق‏,‏ وكان على الكتابة فيما بقي وإن أدى البعض ثم مات سيده عتق كله‏,‏ وسقط باقي الكتابة إن خرج من الثلث وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث‏,‏ وسقط مما بقي من الكتابة بقدر ثلث المال وأدى ما بقي‏.‏